منديل
و منديل أو الراحة المنسية
ملاحظة بسيطة عبرت خاطري
و أحس بها قلبي غاية الإحساس و غيرت مجرى صباحي على الأقل و أتمنى أن يمتد ذلك إلى
يومي بأكمله.
فأثناء انطلاقي لعملي
انتبهت إلى ضرورة تنظيف نظارتي مما علق بها من غبار المدينة منذ البارحة . وقعت
عيني على المنديل الجديد الذي وضعته البارحة في علبة النظارات .حملت المنديل ومسحت
به نظارتي و أنا في غاية السعادة .
ما أحسست به قد يبدو لكم عاديا ،فكيف نتصور أن
يدخل وجود منديل جديد نظيف السرور على القلب و يغير مجرى حياة إنسان ؟
الأمر في ظاهره يبدو كذلك
و لكن الذي ينبغي الإلتفات إليه ليس المنديل و لكن ما يحمله وقوع ذلك في حياتي و
السياق الذي تم فيه ذلك الحدث .
إن تراكم الوقائع المزعجة
و توارد الأخبار السيئة قد يدفعنا في كثير من الأحيان إلى البحث عن منظر جميل يدخل
السرور علينا أو التطلع إلى خبر سعيد يدخل البهجة إلى قلوبنا . أو الإنصات إلى
موسيقى تزيل غبار المصائب عن قلوبنا. موسيقى واعدة بحد ث سعيد محتمل أو أنها مذكرة
بماضي جميل أو شأن جميل.
ماذا ما حصل مع منديل
النظارات ؟
المنديل القديم كان قد
وصل إلى حالة من الإتساخ أصبحتُ معها أتساءل عندما أستعمله هل أنا أنظف
النظارات بالمنديل أو أنظف المنديل
بالنظارات .قد أكون بالغت في الوصف و لكن ما ينبغي الإنتباه له هو أننا لا نتخذ
المواقف المناسبة في بعض الأحيان بسبب الإهمال و لكن بسبب حسابات ذاتية داخلية قد
تفضي إلى حالة غير مقبولة عقلا .
فعدم اهتمامي بتنظيف منديل
النظارات مثلا كان مبعثه أنني أقضي اليوم كاملا في العمل ،و إن كان لي الوقت
لتنظيفه و تجفيفه فليس لدي القدرة على تتبع الموضوع إلى النهاية ،و بالتالى خوفي من ضياعه مع حاجتي
إليه، و تصوري لعدم وجود قطعة ثوب مناسبة أخرى جاهزة في عين المكان ، كل ذلك جعلني
أنتظر عودتي للبيت للقيام بذلك او تعويضه. لكن في البيت هموم وأعمال و تكاليف تنسيني كل ذلك وهكذا ...
أعود بعد هذا الإستطراد
لأقول إن حالات الرضى وعدم الرضى عن الذات
و عن الآخر كثيرة في حياتنا. لكن خوفنا من الألم المحتمل يخلق عندنا دائما القابلية ليس للتعاطي مع حالات
عدم الرضى تلك فقط، و لكن يجعلنا في انتظارها للأسف. و إذا وقعت يقول كل
منا بطريقة مونولوكية : هيه ... لقد كنت
أنتظرها.
فوقوع المحظور لا نضعه في
سياقه و لكن نعتبره مصدقا لحدسنا .و هنا يحق لي أن أتساءل :ألا يوجد في حياتنا إلا حالات
عدم الرضى ؟ حتما لا، و إلا أين حالات الرضى يا ترى ؟لماذا لا
ننظر للجانب الملآن من الكأس ؟لماذا نستبق الأحداث كأننا نبحث عن المنغصات ؟
هاته الحالات و ما شابهها
هي التي تجعلنا مبرمجين على انتظار الأسوء
دوما . برمجة تجعلنا نستغرب أحيانا حدوث الأجمل أو لنقل السعيد في حياتنا .لكن
الوعي بالآثار السلبية للبرمجة السلبية هو
الذي جعلتني اليوم أنظر لموضوع منديل النظارات نظرة غير عادية . ألا يعتبر استبدالي منديلا بمنديل أمرا عاديا ؟
بلا و لكن السياق الذي وقع فيه الحدث يعتبر غير عادي بالنسبة لي قبل كتابة هذه
السطور. و هذا من حسن حظي لأني بدأت مرحلة النظر إلى الجانب الملآن من الأحداث ومن
حياتي . بدأت أتعلم قراءة الأشياء المبعثرة
حولي و الأحداث المبعثرة حولي .
بدأت أتعلم قراءة مائدة
الطعام قبل و بعد الأكل و لا أقول كم كلفتني و لماذا كانت السلطة بملح زيادة و لكن
أقول كنت موفقا في اختيار الطاطم الطازجة و الملح الزائد عوضني عن الملح الناقص في
الخبز .بدأت أعي دعاء : الحمد لله الذي أطعمني و سقاني من غير حول مني و لا قوة.
أتأمل مائدة الإفطاربالمقهى
مثلا و لا أقول لنفسي:كم كان فنجان القوة رديئا و لكن كم استمتعت بالخدمة و الوجه
البشوش للنادل .
وأنا أتأمل أجواء السفر و ما يعتريه من أحداث
مزعجة أحيانا و أقول : اللهم يسر.
و عندما أهم بعمل ما
يحتاج للرويةأتذكراعقلها و توكل.
وأضع سطرا عريضا تحت
أخشوشنوا فإن النعيم لا يدوم عندما تعترضني إكراهات معيشية في بيتي أو عند مضيفي
من الناس أو الأهل .
وأعوض لوعة فراق أحبة
بأمل لقاء أحبة ...
و هكذا حتى مع المنديل، نظرت إلى المنديل القديم معتذرا، أما المنديل
الجديد فاعترفت له بفضل مسح نفسيتي مما كان بها قبل مسح زجاج نظارتي . متمنيا ألا
تكون مرحلة عابرة و إنما عبرة لي و درسا إيجابيا في نظرتي للحياة مستقبلا و تقديرا
للراحة المنسية .