الأحد، 12 مايو 2013

منديل و منديل أو الراحة المنسية


                منديل و منديل أو الراحة المنسية  
                  
ملاحظة بسيطة عبرت خاطري و أحس بها قلبي غاية الإحساس و غيرت مجرى صباحي على الأقل و أتمنى أن يمتد ذلك إلى يومي بأكمله.
فأثناء انطلاقي لعملي انتبهت إلى ضرورة تنظيف نظارتي مما علق بها من غبار المدينة منذ البارحة . وقعت عيني على المنديل الجديد الذي وضعته البارحة في علبة النظارات .حملت المنديل ومسحت به نظارتي و أنا في غاية السعادة .
 ما أحسست به قد يبدو لكم عاديا ،فكيف نتصور أن يدخل وجود منديل جديد نظيف السرور على القلب و يغير مجرى حياة إنسان ؟
الأمر في ظاهره يبدو كذلك و لكن الذي ينبغي الإلتفات إليه ليس المنديل و لكن ما يحمله وقوع ذلك في حياتي و السياق الذي تم فيه ذلك الحدث .
إن تراكم الوقائع المزعجة و توارد الأخبار السيئة قد يدفعنا في كثير من الأحيان إلى البحث عن منظر جميل يدخل السرور علينا أو التطلع إلى خبر سعيد يدخل البهجة إلى قلوبنا . أو الإنصات إلى موسيقى تزيل غبار المصائب عن قلوبنا. موسيقى واعدة بحد ث سعيد محتمل أو أنها مذكرة بماضي جميل أو شأن جميل.
ماذا ما حصل مع منديل النظارات ؟

المنديل القديم كان قد وصل إلى حالة من الإتساخ أصبحتُ معها أتساءل عندما أستعمله هل أنا أنظف النظارات  بالمنديل أو أنظف المنديل بالنظارات .قد أكون بالغت في الوصف و لكن ما ينبغي الإنتباه له هو أننا لا نتخذ المواقف المناسبة في بعض الأحيان بسبب الإهمال و لكن بسبب حسابات ذاتية داخلية قد تفضي إلى حالة غير مقبولة عقلا .
فعدم اهتمامي بتنظيف منديل النظارات مثلا كان مبعثه أنني أقضي اليوم كاملا في العمل ،و إن كان لي الوقت لتنظيفه و تجفيفه فليس لدي القدرة على تتبع الموضوع  إلى النهاية ،و بالتالى خوفي من ضياعه مع حاجتي إليه، و تصوري لعدم وجود قطعة ثوب مناسبة أخرى جاهزة في عين المكان ، كل ذلك جعلني أنتظر عودتي للبيت للقيام بذلك او تعويضه. لكن  في البيت هموم وأعمال و تكاليف تنسيني كل ذلك  وهكذا ...
أعود بعد هذا الإستطراد لأقول إن حالات  الرضى وعدم الرضى عن الذات و عن الآخر كثيرة في حياتنا. لكن خوفنا من الألم المحتمل  يخلق عندنا دائما القابلية ليس للتعاطي مع حالات عدم الرضى  تلك  فقط، و لكن  يجعلنا في انتظارها للأسف. و إذا وقعت يقول كل منا بطريقة مونولوكية  : هيه ... لقد كنت أنتظرها.
فوقوع المحظور لا نضعه في سياقه و لكن نعتبره مصدقا لحدسنا .و هنا  يحق لي أن أتساءل :ألا يوجد في حياتنا إلا حالات عدم الرضى ؟  حتما  لا، و إلا أين حالات الرضى يا ترى ؟لماذا لا ننظر للجانب الملآن من الكأس ؟لماذا نستبق الأحداث كأننا نبحث عن المنغصات ؟
هاته الحالات و ما شابهها هي التي تجعلنا مبرمجين على انتظار الأسوء  دوما . برمجة تجعلنا نستغرب أحيانا حدوث الأجمل أو لنقل السعيد في حياتنا .لكن الوعي بالآثار السلبية للبرمجة السلبية  هو الذي جعلتني اليوم أنظر لموضوع منديل النظارات نظرة غير عادية .  ألا يعتبر استبدالي منديلا بمنديل أمرا عاديا ؟ بلا و لكن السياق الذي وقع فيه الحدث يعتبر غير عادي بالنسبة لي قبل كتابة هذه السطور. و هذا من حسن حظي لأني بدأت مرحلة النظر إلى الجانب الملآن من الأحداث ومن  حياتي . بدأت أتعلم قراءة الأشياء المبعثرة حولي و الأحداث المبعثرة حولي .
بدأت أتعلم قراءة مائدة الطعام قبل و بعد الأكل و لا أقول كم كلفتني و لماذا كانت السلطة بملح زيادة و لكن أقول كنت موفقا في اختيار الطاطم الطازجة و الملح الزائد عوضني عن الملح الناقص في الخبز .بدأت أعي دعاء : الحمد لله الذي أطعمني و سقاني من غير حول مني و لا قوة.
أتأمل مائدة الإفطاربالمقهى مثلا و لا أقول لنفسي:كم كان فنجان القوة رديئا و لكن كم استمتعت بالخدمة و الوجه البشوش للنادل .

 وأنا أتأمل أجواء السفر و ما يعتريه من أحداث مزعجة أحيانا و أقول : اللهم يسر.
و عندما أهم بعمل ما يحتاج للرويةأتذكراعقلها و توكل.
وأضع سطرا عريضا تحت أخشوشنوا فإن النعيم لا يدوم عندما تعترضني إكراهات معيشية في بيتي أو عند مضيفي من الناس أو الأهل .
وأعوض لوعة فراق أحبة بأمل لقاء أحبة  ...                       
و هكذا حتى مع المنديل،  نظرت إلى المنديل القديم معتذرا، أما المنديل الجديد فاعترفت له بفضل مسح نفسيتي مما كان بها قبل مسح زجاج نظارتي . متمنيا ألا تكون مرحلة عابرة و إنما عبرة لي و درسا إيجابيا في نظرتي للحياة مستقبلا و تقديرا للراحة المنسية .