الخميس، 21 مارس 2013

عسل و بصل حالة نفسية


حالة نفسية
اغرورقت عيناي وأنا أتتبع جواب أحد الشيوخ الفضلاء عن سؤال حول مايمكن للزوج أن يفعله لزوجته المتوفاه ليدخل عليها السعادة .كنت أعرف الجواب الذي سيقوله الشيخ و لكن ما اثار انتباهي هو طبيعة سؤال الزوج .و ما أثار شجوني هو ماذا لو كان السائل هو أنا .
فالعلاقات الزوجية وصلت بين بعض الأزواج اليوم ليس للفراق ،فهذا أرحم ،و قد تصل إلى القتل و هذا معروف و مشهود في الواقع. وبين هذا وذاك هناك من يكابد حياة زوجية لا يموت فيها و لا يحيى. ما أثار انتباهي هو بحثي عن موقع العلاقة الزوجية  للسائل ضمن الحالات التي سبقت الإشارة إليها .هل كانت حياته باللطف و السلاسة و الحب الذي يجعله يحفظ الذكرى ، ام أنه يعوض ما قد يكون فاته في علاقته مع حبيبته قصدا أو دون قصد. الحقيقة أنني خلصت من هذه التساؤلات باقتناعي بأن ما سأل عن مشروعية فعله خيرٌ كله بلا ريب. و خلوصي السريع ذاك كان رغبتي الدفينة في التجاوب مع سؤالي الذي أثار شجوني كما سبق و الذي ألح علي  بشكل جعلني أنظر للحدث كأنه وقع فعلا .و لكم أن تتخيلوا ما يمكن تصوره وأنا أتناول الموضوع ذاتيا في مونولوج تغمره مسوح من الأحزان   ، كتلك  التي تنتابك و أنت تستمع إلى كونشيرتو أرانخويس  –  de Aranjuez


 و المختلطة بمحيطات من التقديرلزوجتي الحبيبة الحانية و الإعتراف الصادق بيني وبين نفسي بحجمها الحقيقي  في حياتي . و في الأخير حمدت الله أنها  بين يدي ترفل بالصحة و العافية و جددت العهد مع نفسي على الرفق بها و تعهـدها كما كنت سأتمنى لو لم تكن بين يدي اليوم  .
وبينما كنت أستعد للخروج لقضاء بعض شؤوني بادرتني زوجتي بطلبيات للبيت ،طلبيات عادية للتذكير ،لكن رغم كونها عادية فقد تمكنت بها من أن تخرجني من برجي العاجي المنيع ،الذي كنت أظنها تسكن معي فيه . أقول أظن لأنني أنا من أسكنها فيه معي لكن طلبيات بسيطة و عادية اخرجتني إلى وضع آخر لن أقول متناقض مع ما كنت فيه قبل هنيهة و لكن يمكن ان أقول بعيدا عما كنت فيه .و لن أقول إنني أرعدت و أزبدت و لكن كدت أن أنطق بما لا ينبغي أن يتفوه به محب .خرجت على مضض أقفز على عدد من الخواطر التي أرادت أن تـُفرخ في البيت  قبل خروجي .لكن نجوت منها بنفسي و أنا أتسائل خجلا من نفسي عن سبب تغيري المفاجيء. و بعد لحظات هدأت نفسي و أدركت أن بعض الأحاسيس التي تنتابنا لا علاقة لها بالصدق أو عدم الصدق في مشاعر الحب تجاه  شخص ما . لأنها تكون أحيانا كثيرة  مجرد أحاسيس  مطروحة في طريق الأفكار. كالأشياء التي تراها مطروحة في سوق الأشياء . فنظرك إليها مرة لا يعني انك ستشتريها أو أنها تهمك .فهناك تشابه كبير في مواقفنا أمام عالم الأشياء و عالم الأفكار أليس كذلك؟
المهم أنني عدت بعد دقائق إلى بيتي فوجدت زوجتي كما تركتها ،هممت بالإعتذار لكني فضلت الجلوس قربها مستغلا اقتراحها مشروبا ساخنا فناولتني ، لا ناولتني كأسا هو عبارة عن خليط من النعناع و مرددوش و البابنوج وغيرها من الورقيات الشتوية اللذيذة فاحتسيت الكأس الأولى و طلبت ثانية لأنتبه أنها بدون سكر .ضحكت زوجتي وانا أخبرها أن كل كؤوسا محلاة بها هي ولم يكن هناك حاجة للسكر وأن هذا يكفيني. قلتها صادقا و بتلقائية.
اه ،العاطفة عاصفة ،كما كان يقول لي أبي رحمه الله .وبالفعل من العواصف ما قتل .و من العواصف ما أحيا .
 سألت زوجتي وأنا استعد للخروج إلى المسجد لصلاة المغرب : ـ هل من طلبيات ياسيدتي ؟
التفتت إلي مستفهمة :
ـ نعم ؟
ـ هل من طلبيات؟ قلتها وأنا مبتسم
نظرت إلي مبتسمة ، و لم نمتلك أنفسنا من الضحك ، فقالت متلعثمة:
ـ نعم نعم هناك شيء نحتاجه و لكن لا أتذكره الآن ...
ضحكنا عاليا مرة أخرى و غادرتُ  مهرولا...
. لم أكن أقصد و لكن هذه المرة شعرت أنني عدت إلى برجي العاجي و عادت هي معي  بإرادتها فأصبح برجا ذهبيا .تأكد لي ذلك بالفعل بعد عشرين دقيقة لما عدت إليها واضعا في يديها  الباردتين خمسين غراما من الكاكاو المحمص المملح الساخن ، فأطبقت كفيها على الكاكاو و هي تصيح سعيدة :آه ...آه... و أطبقتُ كفي على يديها و قد اغرورقت عيناي فرحا ليس لفرحها فقط ولكن لاكتشافي انه يمكنني إسعاد امرأة و هي أمامي و ليس علي انتظار فرصة فقدانها لأقوم بذلك . ماذا سيفيدها حناني و هي بعيدة عني .نعم سينفعها دعائي و صيامي و صدقتي وحجي .ولك ما  الضير وما المانع من أن تستفيد من كل ذلك و قد أسعدتها و أرحتها في حياتها وهي معي ؟ كانت أمي تقول في مثل هذه الأوضاع  بالدارجة المغربية: إن الذي يريد أن يبكي علي، عليه أن يبكي علي في حياتي ،و تقصد أن حنان أي كان يجب أن يصلها و أن تشعر به في حياتها ، أما بعد الموت فإن الله هو من سيتولاها برحمته.
ليس المهم أن تحمل للآخر مشاعر طيبة ،المهم ان تبلغه بها
ليس المهم أن تحمل للآخر مشاعر طيبة و أن تبلغه بها، المهم أن يلمسها فيك تجاهه.
إن خمسين غراما من حبات الكاكاو التي حملتها لزوجتي  ليست مهمة في ذاتها و لكن المهم هو تلك الروح التي حملتها إليها . المهم هي تلك الإبتسامة التي تشعرها بأهميتها في حياتي .
وبمناسبة الحديث عن الزوج الذي سأل عما يمكن أن يسعد زوجته المتوفاة  ولكي نختم كلامنا بشيئ من المرح تحضرني قصة زوج آخر على النقيض قالت له زوجته :
ـ أرأيت ياحاج ماذا فعل جارنا لزوجته المتوفاه ؟
ـ وماذا فعل ؟
ـ إنه بنى مسجدا باسمها...
ـ هيه ... إن الأرض موجودة ونرجو أن تطلقوا أيدينا للبناء.